الحَوسبة السّحابيَّة أحدثت تحولًا جديدًا لكيفية عمل البرمجيات ومُعالجة البيانات، مما يستلزم التغييرات على البرمجيات التقليدية لتُوائِم بيئة الحَوسبة السّحابيَّة الحديثة، والتخطيط السابق لعملية تغيير البرمجيات لتتوافق مع بيئة الحَوسبة السّحابيَّة، وتحوير البيانات وإعادة صياغتها وتخزينها لمُواءمة مُتطلبات التخزين الخاصة بالحَوسبة السّحابيَّة، وكل هذا يجعل عملية نقل البرمجيات والبيانات من الحوسبة التقليدية إلى الحَوسبة السّحابيَّة عملية هجرة غير عكسية تتضمن تغييرًا وتحويرًا كاملًا لكل البرمجيات والبيانات.

وتُصنف البرمجيات المُتوائمة مع بيئة الحَوسبة السّحابيَّة والتي بالإمكان تشغيلها في بيئة الحَوسبة السّحابيَّة دون فقدان أي من خصائصها- على أنها برمجياتٌ سحابية مُتكاملة، ويمكن للبرمجيات السحابية المتكاملة التعامل وبمرونة عالية مع الموارد الحاسوبية المكونة بتصاميم أو أنواع مختلفة، وبخلاف البرمجيات التقليدية التي تتطلب الوصول الكامل إلى الموارد الحاسوبية ودون مُشاركتها مع أي برمجيات أخرى، أو عدم وجود أنظمة آلية لإدارة الموارد وتكوينها خارج البرمجيات التقليدية.

ولا يوجد معيارٌ ثابت أو خُطوات مُحددة لعملية الهجرة إلى الحَوسبة السّحابيَّة لكل أنواع المستخدمين، ولكن الهجرة إلى الحوسبة تتطلب استراتيجية وخُطة متكاملة لضمان الاستفادة من الحَوسبة السّحابيَّة، ويمكن تسخير مبادئ البينية المؤسسية في عملية الهجرة إلى الحَوسبة السّحابيَّة، ويمكن التعريف بالمراحل الأساسية المقترحة كالآتي:

المراحل الأساسية في عملية الهجرة الى الحَوسبة السّحابيَّة المراحل الأساسية في عملية الهجرة الى الحَوسبة السّحابيَّة

1. دراسة الجدوى

تهدف مرحلة دراسة الجدوى إلى التقييم الشامل للفوائد والتحديات المُرتبطة بعملية الهجرة إلى الحوسبة السحابية، وتحوي مرحلة دراسة الجدوى الجوانب المالية، والفنيّة، والتنظيميّة، والتعاقديّة، بهدف تقديم صورة أوليّة عن جدوى الهجرة إلى الحوسبة السحابية، ويُمكن تقسيمُ مرحلة دراسة الجدوى إلى المهام الآتية:

أ. تحليل التكاليف والعوائد

تبدأ دراسة الجدوى بحصر دقيق لتكاليف التشغيل الحالية والتكاليف المُتوقعة عند استخدام الحوسبة السحابية، وتشمل التكاليفُ الحالية أو المُتوقعة التكاليف الرأسمالية مثل: شراء الأجهزة والخوادم وتجهيز المباني، والتكاليف التشغيلية مثل: الكهرباء والتبريد والرواتب والعقود والتراخيص، وتختلف رسوم الخدمات السحابية بناءً على مُزودي الخدمة، ووجودهم الجغرافي وتكاليف تحويل البيانات من الأنظمة الحالية إلى الحوسبة السحابية.

‌ب. مُقارنة بين مُزودي الخدمة

جزءٌ أساسي من دراسة الجدوى هو مقارنة مُزودي خدمة الحوسبة السحابية، وتحديد فروقات التكلفة والامتثال ومرونة الخدمات والدعم الفني المُقدم وتكاليف نقل البيانات، مما يساعد في اختيار أفضل مُزود خدمة يُناسب احتياجات المُستخدم للحوسبة السحابية.

‌ج. الاستعانة بالخبراء

ويفضل الاستعانة بخبراء في مجال الحَوسبة السّحابيَّة وخصوصًا للأنظمة والبرمجيات الضخمة، أو المعقدة، بالإضافة إلى ضبط التوقعات للفائدة المرجوة أو التكاليف المخفية، ويمكن للخبراء حصرُ المخاطر المُحتملة وكيفية التعامل معها.

وهذه المرحلة تضمن تقديم صورةٍ واضحةٍ أولية حول الفوائد والتحديات المُرتبطة بالهجرة إلى الحَوسبة السّحابيَّة للمُستخدمين الجدد أو الراغبين بالتوسع في استخدامها.

2. دراسة الوضع الحالي وتحديد الوضع المستهدف

مرحلة دراسة الوضع الحالي وتحديد الوضع المستهدف مُهمة في عملية الهجرة إلى الحوسبة السحابية، وتبدأ ملامحُ اكتمال الرؤية عن الوضع الحالي والوضع المستهدف بدراسة الجدوى، وتفصل هذه المرحلة في فهم البيئة الحالية والبرمجيات المُراد نقلها، وتحديد الوضع المُستهدف للبرمجيات المُنتقلة والمعايير المطلوب تحقيقها، وتقسم مرحلة دراسة الوضع الحالي وتحديد الوضع المستهدف إلى مهام أساسيّة كالآتي:

‌أ. تقييم البنية التحتية الحالية

وهو التقييم الشامل للموارد الحاسوبية المستخدم حاليًا، وفهم العلاقات بين الأنظمة والتطبيقات والبيانات، وتحديد القدرات الفنية للموارد البشرية الحالية، بالإضافة إلى توثيق القوانين والسياسات المفروضة حاليًا، والتعرف على مُزودي خدمة الحَوسبة السّحابيَّة والخدمات المقدمة والأسعار.

‌ب. تحديد الوضع المستهدف

وهو رسم الوضع المستهدف عن طريق ترجمة الأهداف الاستراتيجية للمُستخدم، وكيفية تسخير الحَوسبة السّحابيَّة لتحقيقها، ورسم الموارد الحاسوبية المُتوقعة لتلبية مُتطلبات المستخدم في المستقبل، وصياغة المعايير الضرورية لضمان قياس مدى نجاح عملية الهجرة وتحقيق الفائدة المرجوة، بالإضافة إلى تحديد القدرات المطلوبة من تكاليف وموارد بشرية لازمة لتحقيق المُستهدفات، ويرتبط الوضع الحالي بالمستقبلي، عبر خارطة طريق تمُر بمراحل انتقالية حتى الوصول إلى الوضع المستهدف.

‌ج. وضع خارطة الطريق

خارطة الطريق تهدف إلى تحديد الخُطوات والمراحل اللازمة لتحقيق الوضع المستهدف النهائي، وتتضمن هذه الخارطة مشاريع تعديل البرمجيات لمواءمة الحوسبة السحابية، أو استبدالها، أو الاستغناء عنها، بالإضافة إلى تدريب وتأهيل القدرات الفنية، وتحدد خارطة الطريق المراحل الانتقالية، التي تمثل أوضاعًا مستهدفة خلال التنفيذ للوصول إلى الوضع المستهدف النهائي بدءًا من الوضع الحالي.

وخلال رسم خارطة الطريق يمكن أن تكون الهجرة واحدة من بين ثلاث استراتيجيات هي: (الهجرة دفعة واحدة، أو الهجرة التدريجية، أو الهجرة الهجينة).

وتمتاز الهجرة دفعة واحدة بالسّرعة في التنفيذ، وتتطلب اختبارات مُكثفة، أما الهجرة التدريجية فتوفر مرونة وتُمكِّن من نقل البيانات والبرمجيات بدفعات حسب القدرة، وهذا يتيح اختبار كل مرحلة بشكل مُستقل ومُعالجة المشكلات فور ظهورها، وتجمع الهجرة الهجينة بين الحَوسبة السّحابيَّة والتقليدية حسب نمط تشغيل الحَوسبة السّحابيَّة الهجينة.

3. ضبط الجودة

تُعد مرحلة ضبط الجودة من أهم مراحل الهجرة إلى الحَوسبة السّحابيَّة ومستمرة حتى بعد الهجرة، حيث تضمن أن عملية الانتقال تمت بنجاح، وأن الأنظمة تعمل بكفاءة، وتلبي مُتطلبات المستخدم، ويتم خلال هذه المرحلة القيام بمهام مستمرة كالآتي:

‌أ. اختبارات شاملة

إن ضبط الجودة يبدأ بإجراء اختباراتٍ شاملة لجميع البرمجيات، وتهدف هذه الاختبارات إلى التأكد من تحقيق الأهداف والمعايير المطلوبة، ويتم تنفيذ اختبارات الأداء للتأكد من أن البرمجيات تعملُ بشكل مُناسب حسب مُتطلبات الأداء والاستجابة للمستهلكين بالوقت المناسب.

‌ب. متابعة الأداء

مُتابعة الأداء مستمرة حتى بعد الانتقال إلى الحوسبة السحابة، وتقيس مؤشرات الأداء الرئيسية مثل وقت الاستجابة، وسرعة التحميل، وتوافر الخدمة، وتكلفة التشغيل الحقيقية، وتساعد في تحديد أي تدهور في الأداء، وتُمكِّن من اتخاذ الإجراءات التصحيحية اللازمة بالوقت المناسب، وتسهم في تحسين الأداء بشكل مستمر.

‌ج. ضبط استخدام الموارد

ضبط استخدام الموارد يهدُف إلى تجنب التكاليف غير المُتوقعة المُرتبطة باستخدام الحَوسبة السّحابيَّة بشكل غير فعال، وتساعد الحوسبة السحابية في الاستجابة للمُستهلكين، وزيادة الموارد الحاسوبية حسب الحاجة، مما يترتب عليه تكاليف غير مُخطط لها، وغير مُتعارف عليها خلال عملية تشغيل البرمجيات بالحوسبة التقليدية.

وهذه المرحلة تسهم في خفض التكاليف التشغيلية وتحسين الفائدة المرجوة من الحوسبة السحابية.

4. الانتقال

مرحلة الانتقال هي المرحلة الحاسمة في عملية الهجرة إلى الحوسبة السحابية، حيث يتم تنفيذُ خارطة الطريق وإجراء الاختبارات، والاستمرار بعمليات ضبط الجودة، وخلال مرحلة الانتقال يتم تنفيذ خارطة الطريق.

‌أ. تنفيذ خارطة الطريق

البدءُ بخارطة الطريق وتنفيذ المراحل الانتقالية، وهو تنفيذ خطة الانتقال المرسومة في المراحل السابقة التي تشمل خُطواتٍ تفصيلية لنقل البيانات والبرمجيات عبر تنفيذ المراحل الانتقالية والتصحيح لها حال الانحياز عن الوضع المُستهدف، بالإضافة إلى التأكد من نجاح عمليات ضبط الجودة قبل الانتقال إلى المرحلة الانتقالية التالية، مما يُتيح مُعالجة المشكلات في وقت مبكر وتقليل أثر المخاطر في عملية الهجرة.

ويجدر بالذكر أن كل عملية هجرة إلى الحَوسبة السّحابيَّة فريدة من نوعها، ويمكن تخصيصها بإضافة، أو حذف بعض المراحل بناءً على احتياجات المُستخدم، وتسهم هذه المراحلُ عند تنفيذها بدقة في تحقيق انتقال ناجح إلى الحوسبة السحابية.