المقدمة

شهد العالمُ بعد ثورة تقنية المعلومات تحوُّلًا جذريًا في الحياة الاجتماعيّة والاقتصاديّة، بل وأصبحت شبكة الإنترنت جُزءًا أساسيًا لتقديم خدمات الرعاية الأساسيّة والتجارة والخدمات المالية، وكل القطاعات المُختلفة وعززت هذه الثورة التقنية قدرة تبادل البيانات بسرعةٍ وسهولةٍ غير مسبوقة، وخلقت فضاءً تقنيًا جديدًا؛ لدعم صناعة البيانات وتحليلها، وتقديم الخدمات الإلكترونيّة، وتشغيل التطبيقات والأنظمة الضخمة على صعيد عالمي، وتتسارع حاجة الفضاء التقني إلى توفير الموارد الحاسوبيّة بمرونة عالية وبسعات عالية يمكن استخدامُها حسب الحاجة، مما صنع مفهوم الحَوسبة السّحابيَّة.

وتُعد الحَوسبة السّحابيَّة من أهم مُستهدفات الاستراتيجيات للمؤسسات الحكومية والخاصة، عالميًا ومحليًا، وحققت المملكة العربيّة السُّعوديّة في مسيرة التحوُّل الرقمي مُنجزاتٍ في تطوير وتأطير الحَوسبة السّحابيَّة، ومَكّنت رؤية المملكة العربية السعودية ٢٠٣٠ كبار مُزودي خدمات الحَوسبة السّحابيَّة من الاستثمار داخل المملكة العربيّة السعوديّة، كما أطلقت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات سياسة الحَوسبة السّحابيَّة أولًا، التي تهدف إلى تسريع تبني مبادئ الحَوسبة السّحابيَّة في الجهات الحكومية، واستثمرت كبرى الشركات العالمية في مجال الحَوسبة السّحابيَّة أكثر من 16 مليار دولار، داخل المملكة العربيّة السعوديّة؛ وذلك نتاج التحفيز الحكومي لتحقيق تطلعات رؤية ٢٠٣٠. وعلى الصعيد العالمي، عززت ثورة الحَوسبة السّحابيَّة الخدمات التقنية، حيث يهدف أكثر من 75 % من المؤسسات استخدام الحَوسبة السّحابيَّة بشكل كامل، علاوة على زيادة مصروفات المنظمات بـ 45 % من ميزانياتها على الحَوسبة السّحابيَّة بحلول العام 2025م، كما يُتوقع أن يصل حجم الإنفاق على الحَوسبة السّحابيَّة بحلول عام 2023 إلى 600 مليار دولار.

وتتميز الحَوسبة السّحابيَّة بزيادة المرونة المؤسسيّة، لأنها مُسرّعة للأفكار الإبداعيّة، بالإضافة إلى خفض تكاليف التطوير والتملك للمنظومات التقنية للمُستفيدين، ودعم الدراسات والأبحاث داخل المؤسسة دون مخاطر التملك للموارد التقنية لتأدية التجارب والأبحاث، علاوة على تمكين المُختصين للوصول إلى أحدث البرمجيات والمُعدات دون الحاجة إلى طلبات شراء المُعدات أو التراخيص، بالإضافة إلى تجاوز الأخطاء في هيكلية أو تكوين الموارد الحاسوبيّة، بإعادة بنائها بشكل سريع ومرن ،دون تحمل تكاليف عالية؛ جرّاء الأخطاء البشريّة.

وتُسهم الحَوسبة السّحابيَّة في تسهيل تطوير البرمجيّات، وحَوكمة أمنها، والاستجابة للحاجة المُتذبذبة للمُستخدمين، حيث تُمكّن مُطوري البرمجيات ومُورديها من تغيير بيئات التشغيل للبرمجيات لاستعراض المُميزات، أو اختبار الجودة، بإجراءات مُؤتمتة، دون التدخل البشري من قِبل فريق البنية التحتية، عِلاوة على تمكين فِرق ضبط الجودة والتدقيق الأمني من اختبار البرمجيّات على بيئات وتكوينات مُختلفة، بالإضافة إلى حَوكمة نشر البرمجيّات على البيئة الحيّة، واختبار تطبيق السياسات، ورفع التقارير بشكل آلي لفِرق الحوكمة والمُراجعة.

ويتمادى مفهوم السحابية المأخوذ من الحَوسبة السّحابيَّة إلى الخدمات المُجردة المُقدمة حسب الحاجة، مثل: المطاعم السحابية وشركات الصيانة السحابيّة، حيث تقدم الخدمة للمُستهلك باسم مُستأجر الخدمات من قِبل مزودي خدمة مُتفرقين، دون الحاجة إلى التنسيق السابق من قِبل المستهلك النهائي أو مُستخدم الخدمة السحابية.

تعريف الحَوسبة السّحابيَّة

الحَوسبة السّحابيَّة هي نموذجٌ تشغيليّ لتمكين الوصول المرن والفوري إلى شبكة من الموارد الحاسوبية المشتركة والقابلة للتكوين، مثل: الشبكات والخوادم ومُعدّات التخزين والتطبيقات والخدمات، ويمكن توفيرها وإطلاقها بسرعة، بتكاليف قليلة ودون الحاجة إلى التفاعل البشري من قِبل مُقدّم الخدمة.

وتقوم الحَوسبة السّحابيَّة بتجريد الموارد التقنية من تعقيدات امتلاكها وتشغيلها للمستخدمين، أو تقديم مُزود خدمات الحَوسبة السّحابيَّة لخدمات تخصيص وتكوين الموارد التقنية، حسب طلب المُستخدم، وفق ديناميكيات مُتسارعة ومنصات خدمة ذاتية.

ولِكل سحابة حاسوبية مزود خدمات ومستخدمون، حيث يستأجر المستخدم الموارد الحاسوبية حسب حاجته من مزود الخدمة بشكل آلي وديناميكي، ويتم دفع رسوم الاستخدام حسب اتفاقيات الخدمة وتسعيرات مُتفق عليها سابقًا بين مُزود الخدمة والمستخدم.

ومن المُعتاد أن يقدم مُزود خدمات الحَوسبة السّحابيَّة وُعودًا لجاهزية الخدمة وعدم توقفها، والحفاظ على بيانات المستخدم من الفقدان أو السرقة أو عدم بيعها لأطراف أخرى، كما يطلب مزود الخدمة في أغلب الحالات من مُستخدم الحَوسبة السّحابيَّة الالتزام بالقانون، وعدم تشغيل المنصات أو التطبيقات غير المرخصة، ودفع الرسوم في الوقت المُحدد.

ويمكن أن يكون مُستخدم الحَوسبة السّحابيَّة إما فردًا، أو مؤسسة صغيرة، أو شركة عملاقة، أو جهة حكوميّة، وتستطيع الحَوسبة السّحابيَّة استضافة المواقع، أو البرامج الشخصيّة، أو منصات البيع، أو المتاجر، أو البرامج المؤسسيّة الضخمة، أو غيرها حسب الحاجة، مما يُبرز فعالية الحَوسبة السّحابيَّة؛ لتقليل تكلفة إطلاق الخدمات للمُستفيدين عبر شبكة الإنترنت.

وحال الموارد الحاسوبية كأي مورد يمكن تملكه أو تأجيره، حيث تَقل على المستأجر- مستخدم الحَوسبة السّحابيَّة- رسومُ التملك، وتزيد رسومُ التشغيل نسبيًا مع إمكانية بدء استئجار الموارد الحاسوبيّة، وانتهاء استئجارها حسب الحاجة حتى ولو لأجزاء من الثانية.

ويُمكن وضع سياسات آلية تزيد الموارد الحاسوبيّة المستأجرة حسب طلب المُستهلكين دون تدخل بشري من قِبل مُستأجر الموارد الحاسوبية، وهنا برز إطلاق اسم السحابة على الموارد الحاسوبيّة المُستأجرة عبر شبكة الإنترنت، وتم تبسيط المُصطلح ليكون الحَوسبة السّحابيَّة.

ومن هنا تمتاز الحَوسبة السّحابيَّة- عن كونها مُجرد موارد حاسوبية مؤجرة- بأتمتة إجراءاتها، والبُعد عن التدخل البشريّ المباشر، مما يجعل للحوسبة السحابية محاسنَ ومعوقات جديدة تختلف حسب نماذج الخدمة المقدمة، أو باختلاف أنماط التشغيل للحَوسبة السحابية، وسيتم تفصيلها لاحقًا.

وتُصنّف الموارد الحاسوبية حسب طبيعة عملها إلى ثمانية أصناف، هي:

  1. التطبيقات وهي البرمجيّات التي تُستخدم لأداء مهام معينة، مثل مُعالجة النصوص، أو البريد الإلكتروني، أو إدارة المشاريع.
  2. البيانات وهي جميعُ أنواع البيانات التي تتم مُعالجتها وتخزينها، مثل الملفات، أو قواعد البيانات، أو السجلات.
  3. بيئة التشغيل وهي البرمجيّات التشغيليّة اللازمة لعمل التطبيقات مثل المكتبات، البرمجيات، أو أطر البرمجيّات، أو مكونات واجهات المُبرمجين.
  4. نظام التشغيل وهي البرمجيات الأساسيّة التي تدير موارد الحاسوب، وتوفر الخدمات الأساسية لبيئة التشغيل والتطبيقات.
  5. البيئة الافتراضية وهي البرمجيات الأساسيّة التي تدير موارد الحاسوب، وتوفر الخدمات الأساسية لبيئة التشغيل والتطبيقات.
  6. الخوادم وهي العتاد، أو الأجهزة، التي يتم تشغيل البيئات الافتراضية، وأنظمة التشغيل، عليها لإدارة الموارد الحاسوبية وتخصيصها للتطبيقات المختلفة.
  7. التخزين وهي العتاد، أو الأجهزة، التي يتم تشغيل البيئات الافتراضيّة، وأنظمة التشغيل عليها، لإدارة الموارد الحاسوبية، وتخصيصها للتطبيقات المُختلفة.
  8. الشبكة وهي عناصر الربط بين الخوادم، أو الأجهزة، أو المُستخدمين، أو الشبكات المُتفرقة، مثل الشبكة المحليّة للمنازل، أو شبكة الإنترنت، أو شبكة مُزوِّدي خدمات الاتصالات المحليّة والعالميّة.

وفي هذا الكتيب، تم تصنيف الأدوار في الحَوسبة السّحابيَّة من أجل التوضيح وتبسيط المفاهيم للقارئ كالآتي:

  1. مُقدم الخدمة هو مشغل الموارد الحاسوبية الخاصة بالحَوسبة السّحابيَّة، ومُقدمها للآخرين كخدمة، ويقبض ثمنَ استخدام الحَوسبة السّحابيَّة من قِبل المستخدمين، ويمكن لمُقدم خدمة الحَوسبة السّحابيَّة أن يكون مُؤسسة أو مؤسسات عدة تقدم سحابة حاسوبية واحدة.
  2. المستخدم هو مُستخدم الموارد الحاسوبية الخاصة بالحَوسبة السّحابيَّة لتشغيل تطبيقاته أو منصاته أو أنظمته، ويدفع ثمن استخدامه للموارد الحاسوبية المستأجرة من مُقدم الحَوسبة السّحابيَّة، ويمكن أن يكون مستخدم الحَوسبة السّحابيَّة فردًا، أو مؤسسة، أو شركة، أو جهة حكومية، أو غيرها من الكيانات التنظيمية.
  3. المستهلك هو مُستهلك الخدمات المُقدمة من مستخدم الحَوسبة السّحابيَّة، ولا يتعامل مع مُقدم خدمة الحَوسبة السّحابيَّة بأي شكل أو حتى يعلم بوجوده، ويمكن للمستهلك أن يكون فردًا، أو مؤسسة، أو شركة، أو جهة حكومية، أو غيرها من الكيانات التنظيمية.

محاسن استخدام الحَوسبة السّحابيَّة

تتميز الحَوسبة السّحابيَّة عن الحوسبة التقليدية بعدد من المحاسن التي تجعلها خيارًا مثاليًا لاستضافة البرامج، أو الأنظمة، أو المنصات المُختلفة، ومن أبرز محاسنها ما يلي:

  1. الخدمة الذاتية تُمكّن الحَوسبة السّحابيَّة من طلب الموارد الحاسوبية، وتكوينها باستخدام منصات إلكترونية أو واجهات برمجية حسب الحاجة دون تدخل بشري.
  2. الوصول السريع تسمح الحَوسبة السّحابيَّة للمُستخدم بالوصول بسرعاتٍ عالية عبر الشبكة للموارد الحاسوبية، وتوفير سرعات عالية وقنوات مختلفة لتقديم الخدمات إلى المستهلك النهائي عبر الشبكة.
  3. المرونة تسمح الحَوسبة السّحابيَّة للمستخدم بسرعة وسهولة تغيير التكوينات ومكونات الموارد الحاسوبية من قِبل مُستخدم الحَوسبة السّحابيَّة، حسب الحاجة وبأي وقت وخلال مدة زمنية قصيرة أو فوريًا.
  4. الرقابة العالية تسمح الحَوسبة السّحابيَّة للمُستخدم بقياس مدى الاستخدام الفعلي للموارد الحاسوبية، ومُراقبة التكوينات المُختلفة للموارد الحاسوبية، وإمكانية تطبيق السياسات بشكل آلي وفوري وفرض الرقابة العالية.
  5. انخفاض تكلفة التملك تساعد الحَوسبة السّحابيَّة على تقليل النفقات الرأسمالية من خلال الدفع حسب الاستخدام فقط، دون الحاجة للاستثمار في البنية التحتية الخاصة بالموارد الحاسوبية.
  6. القدرة على التوسع تتيح الحَوسبة السّحابيَّة إمكانية زيادة أو تقليل الموارد حسب الحاجة وبسهولة، مما يتيح التكيُّف مع تغيرات حجم الاستهلاك، أو عدد المُستهلكين.
  7. سرعة التعافي من الكوارث تمنح الحَوسبة السّحابيَّة حُلولًا مُتقدمة للتعافي من الكوارث، تضمن استمرارية الأعمال، وسُرعة استعادة البيانات في حالة حدوث أي عطل.
  8. دعم الابتكار والتطوير تتيح الحَوسبة السّحابيَّة الوصول إلى أحدث التقنيات والموارد الحاسوبية وتكوينها، وتطبيق الاختبارات المُختلفة بشكل آلي ولحظي دون الحاجة إلى تكاليف رأسمالية عالية، لتملك الموارد الحديثة.

معوقات استخدام الحَوسبة السّحابيَّة

استخدام الحَوسبة السّحابيَّة له معوقاتٌ ومخاطر يتوجب على مستخدم الحَوسبة السّحابيَّة تقييمها، واتخاذ الإجراءات والخُطط المناسبة للتعامل معها، وتضمينها في استراتيجية التحول الرقمي وتقنية المعلومات للمستخدم، ومن أهم المعوقات ما يلي:

  1. الأمان والخصوصية من الممكن للحوسبة السحابية تعريض البيانات الحسَّاسة للاختراق، أو الوصول لغير المُصرح به، كون البيانات تخزن بالموارد الحاسوبية بالمنشآت الخاصة لمقدم خدمة الحَوسبة السّحابيَّة، وهذا يتطلب التزام مُقدم الخدمة السحابية بالوفاء بالوعود والاتفاقيات الخاصة بالحفاظ على السرية والأمان الخاص بمنشآته ومراكز بياناته.
  2. الامتثال والتنظيم الحَوسبة السّحابيَّة تمتد عبر شبكة الإنترنت عابرةً لحدود الدول المُختلفة، مما يفرض الامتثال لعدد من القوانين، والأنظمة، محليًا، ودوليًا.
  3. انقطاعات الخدمة السحابية تعرُّض مُقدم الحَوسبة السّحابيَّة إلى انقطاع شبكة الوصول، أو توقف الكهرباء عن الموارد الحاسوبية، أو حدوث الكوارث الطبيعية، أو الأعطال التقنية الأخرى- يؤثر في خدمات الحَوسبة السّحابيَّة المُقدمة إلى مُستخدم الحَوسبة السّحابيَّة، وانقطاعها عنه بشكل كامل.
  4. زيادة تكاليف التشغيل رغم أن الحَوسبة السّحابيَّة تقلل من تكلفة التملك للموارد الحاسوبية ، فإنها تزيد من التكاليف التشغيلية؛ كون الموارد مُستأجرة من مُقدم الخدمة السحابية، بالإضافة إلى التكاليف غير المُخطط لها من التكوينات المعيبة، أو زيادة الاستهلاك المُفاجئ للموارد الحاسوبية.
  5. نقل البيانات تزيد الحَوسبة السّحابيَّة من أعباء نقل البيانات، مثل الوقت والتكلفة، لأن موارد الحَوسبة السّحابيَّة تبتعد عن المُستخدم بمسافاتٍ مُختلفة، مما يزيد مُتطلبات نقل البيانات بزيادة الوقت، أو ضرورة وجود موارد إضافية لنقل البيانات، وخصوصًا إذا كان حجم البيانات ضخمًا جدًا، كما قد تزيد تكلفة استخراج البيانات نظرًا إلى بعض التكاليف المخفية من مُقدمي الخدمة السحابية.
  6. فقدان السيطرة هناك احتمالية لفقدان السيطرة الكاملة لمُستخدم الحَوسبة السّحابيَّة على الموارد الحاسوبية المُستخدمة، أو انتقال التحكم بها إلى أطراف أخرى دون موافقة أو علم، ويتجلى ذلك حال اختراق مُقدم الحَوسبة السّحابيَّة من قِبل أطراف خارجية، مما يُعرِّض كل مُستخدمي الحَوسبة السّحابيَّة إلى فقدان السيطرة على مواردهم المُستأجرة.
  7. ضعف التكامل بيئة الحَوسبة السّحابيَّة تستدعي إجراء تغييرات على التطبيقات التقليدية للتكامل مع طبيعة الموارد الحاسوبية الخاصة بالحَوسبة السّحابيَّة، بالإضافة إلى عدم تكامل مُقدِّمي الخدمات السحابية فيما بينهم، مما يزيد التكاليف على المستخدم.
  8. الثقة في مقدم الخدمة الحَوسبة السّحابيَّة تتطلب ثقة المُستخدم في مُقدِّمها؛ حيث لا يمكن التأكد بشكل دقيق من التزام مقدم خدمة الحَوسبة السّحابيَّة باتفاقيات الخدمة، أو عدم تسريبه أو تفريطه أو إتلافه ببيانات مُستخدم الحَوسبة السّحابيَّة.